ما ذكر الله قصص أنبيائه في القرآن إلا عبرة لأولى الألباب، ومن هذه القصص قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل وأمرهم بذبح البقرة، فقد عرضت في القرآن بأسلوب يظهر فيه مدى تلكؤهم وسوء أدبهم مع أنبياء الله، وتعديهم لحدود الله عز وجل، وقد ذكر الشيخ في آخر الدرس مجموعة من الفوائد المتعلقة بهذه القصة، ومن أبرزها أن اليهود قوم بهت مماطلون مخادعون حتى لأنبياء الله عليهم السلام.
فوائد من قصص الأنبياء
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود:120]. لقد جاءت هذه الآية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في فترةٍ هي من أحرج الفترات التي مرت بها الدعوة في مكة ، فاحتاج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى مواساةٍ وأنس وتثبيت، فجاءت هذه القصص لتثبتهم في غمرة هجوم أهل الباطل الشرس ضد جنود الحق، وكذلك فإن هذه القصص عبرة لأولي الألباب كما قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:111]....... القصص توجد عند أهل الكتاب من حيث العموم وهذه القصص التي في القرآن يوجد بعضها عند اليهود والنصارى، بل الكثير منها موجود من جهة العموم، يعرفون قصة يوسف من جهة العموم، يعرفون قصة أصحاب الكهف من جهة العموم، لكن التفصيلات التي جاءت في القرآن لا توجد عندهم، بل إنهم قد اختلفوا في أشياء، وجاء القرآن يفصل بينهم: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76]. فأكثره قد فصل بينهم فيه في هذا الكتاب العزيز، ولذلك فإننا لسنا بحاجة إليهم: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف:22] لا تستفتِ في أهل الكهف أحداً من أهل الكتاب، فعندك المرجع، وعندك الكفاية. موقفنا مما عند أهل الكتاب من العلم ولذلك فإن اللجوء إلى الإسرائيليات في معرفة التفاصيل ليس من الحكمة في شيء، فهذه الإسرائيليات كثيرٌ منها كذبٌ وافتراءٌ على الأنبياء، وفيه ما لا يليق بهم، والقصص عن الماضين غيب فإننا لم نكن معهم، كما قال الله تعالى بعد سياق قصة نوح: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا [هود:49] وقال في ختام قصة يوسف: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102]، وقال في قصة مريم: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون [آل عمران:44] فإذاً هذه القصص بالنسبة لنا غيب؛ لأننا لم نشهدها، ولم نسمعها، ولم نعاصرها من قبل، ولذلك لا يجوز أن نأتي على الغيب بشواهد من الإسرائيليات الموجودة عند الكفار في كتبهم من أهل الكتاب، فإن الله سبحانه وتعالى قد أغنانا عنها، وهذه الإسرائيليات الموجودة ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما يوافق ما عندنا فهذا نأخذه بطبيعة الحال. والقسم الثاني: يخالف ما عندنا ويصادمه ويضاده، فهذا نرفضه ونكذب به. وقسم ثالث: لا يوافق ولا يخالف، فقد يكون فيه تفصيل معين ليس مذكوراً في القصة التي وردت في الكتاب والسنة، كذكر بعض البقرة الذي ضرب به القتيل من بني إسرائيل فحيي، مثل هذا نحن لا نصدق به ولا نكذب؛ لأنه قد يكون حقاً فنكذبه، وقد يكون باطلاً فنصدقه، فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص لنا في رواية أخبارهم -غير المصادمة للشريعة- لكنه قال: (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإنه قد يكون حقاً فتكذبونهم به، وقد يكون باطلاً فتصدقونهم به) ولذلك فهذا موقفنا من الإسرائيليات.